رجوع
لا فائدة، تركت أوراقي وتركت المائدة، فأنت بركان خامد... وأنا نار هامدة.
لو ودعت دربي وهجرت أحلامي، لو عافني قلبك وزماني هزمني، لو تناسيت أيامي وسهري وآلامي، لو كنت الملكة المستمتعة بعذاب شعبها، لو كنتِ الأم القاسية على مولودها، لو كنت الدمعَة المفارقة لأحبائها، سأخلص لحبك لعله يصلك في بعدك.
حبيبتي، أرسل لكِ باقي ذكريات كانت لنا، أهديكِ بقايا آثاركِ التي على جسدي ترتجف، أرسل لك أنفاسك المختلطة بأنفاسي المتهالكة.
لقد عانيت كثيرًا وكتبت كثيرًا، ومن حق القاتل أن يحقق للمقتول رغبة في نفسه، ورغبتي بعدك رغبة قهر.
عزيزتي، احتفظي بباقي حبي في قلبك، فأنا أعلم بوجوده. حبيبتي، قد لا تعلمين كم خسرتِ وقد لا تعلمين كم أنا عانيت، لكن للأيام طريقها، وكيف ستكون معاملتها لكِ، فاحذري يا صغيرتي، ورجاءً كل الرجاء يا حبيبتي، اجعلي ولو ذكرى صغيرة تريحك في أيامك القادمة، ووداعًا حبيبتي السابقة، فإني اليوم لستُ لكِ.
قالت: أنت رحّال، وحبي وهم، ونبضاته سراب. أصبحتَ مجرد خيال في ظلام دامس لا فائدة له سوى الهلاك. انتهى العتاب، فلا معنى لبقائي بعد كل هذا الهراء. اذهب، ولا تنسَ باقي ذكرياتك، وإلا قتلتها ونثرتها بالهواء.
قد اختلفت مسلّماتي يوم تمنيتُ امرأة تشعل في جسدي نار العشق، وتمنيت أيضًا ألا أراها حتى لا تُكسر قاعداتي وقت لقائها. والأصعب عليّ وجودها بقربي، وقد احتوتني كروح بجسد يوم القرب. تجمدت الروح من الخوف من جنون هذا الحب، والأجمل إحساس الخوف من حبٍّ تمنّيته وقد أصبح بين اليدين. وقد حان الآن إطفاء شموعي وترك الحب يسري ببطء في شراييني وأوردتي ليبَرّد نارًا قد سرت فيه من ألف قرن.
عاشقتي المجنونة، إن أمهلت في حبك وجعلت سفن قلبي مسجونة، فلا تحسبي تغلّبي عليكِ جبروت قوة، وإنما عطفًا مني لأُنقذكِ من الغرق في بحري وأمواجي الهادرة. فانعمي بحبك في مرسى أيامي، فستعلمين يومًا جنون عشقي وقوتي في مملكتي المصونة.
اعذريني يا رفيقة الروح وخليلتي الدائمة، فإن كان زماني قد جعلني بالتراب، أو حتى محنطًا بدماء الألم، عبدًا كنت أو صنمًا، فلن تهدأ أنفاسي التي تشكر حبك، وهمس شفاتك على جسدي، واغفري لي خطئي يوم عنادي رغم سيطرة قدري.
طفلتي وسريرة نفسي، اليوم أرسم ملامح وجهك على جدران مدينتي كالمراهقين، لأرى بنهاية المطاف ملاكًا قد اختفى بين ازدحام السنين. وأكبر قهري بعلمي أن من رحل لا يعود، وأن من أصبح خارج هذا الزمان واقتحم بوابة النسيان، لن يكون له ذكرى تعيده لمكان كان فيه منذ أعوام.
صغيرتي، لقد تعاهدنا ألّا نتعاهد في طريق حياة الحب، لعِلمي بفنون القهر من قسوة الزمان. انعمي يا صغيرتي بدنيا الفرح، واتركي لي ماضينا، ونقوش الحب المرسومة في دنيا رواد العشق.
بدأت أمواج أحزاني تُكسر على صخور أوجاعي، وبدأت ألحان الهم تتراقص أمامي، وأنا بنزف جروحي أرى دمعي على مشارف الحرمان، لتنزل كثلج ببركاني فقط لتقهرني وتحطم باقي آمالي.
أصعب بكاء عند انتهاء الدموع وتقديم استقالتها، عند ضياع الصوت وانسحاب الكلام وعجز اللسان. لا أعلم، قد أكون ظالمًا، قد أكون لا أعلم، لكنّي أعلم هذا الموقف جيدًا، أحفظه ونقوشه على القلب محفورة، وآلامه على الوجه مرسومة. نبرات ممزقة وحروف مبعثرة، ودنيا مريرة في أوقات قصيرة، سألجأ لأصعب بكاء.
علّمتِني عند لمسة يديكِ أن أدخل دنيا الأشقياء، وعند قرب شفاكِ ارتجف جسدي كالحمى ولا أرغب في الشفاء، علّمتِني أن الحياة شركة يبنيها الحب والوفاء.
انظري إلى عينيّ، واعلمي ما حلّ بي، لعلكِ تشعرين بما بداخلي، وتخترقين حواجزي، وتكشفين ما في جعبتي من خفايا أثر الزمن.
عشيقتي، أخبركِ باعتزالي وقراري بالرحيل عن مملكتي، مملكة العشاق، ولأجعل صمتي سبيلي إلى مقتلي، وموتي بين صفحات ورقي، وعذابي بنظراتكِ واختراقها لي كألف سهم يوم توديعي ورحيلي عن دنياكِ. اليوم أشعل شموع الفراق يا خليلة زماني، ولا تتألمي لرحيلي عن زمانكِ، وتمزق أوردتي بسيوف قدر بعادي. وقد يأتي على مدينتك من يمحو آثاري يا مولاتي، وقد تبقى آثارهم لتريح جسدكِ يا عزيزتي، وتتلاشى خطواتي. سأرحل ولن تبقى إلا ذكرى ميتة، وسترحلين أيضًا بعد إيجاد من يستحق مكاني، ويبقى هو خليلكِ من بعدي. ولكن يا طفلتي، قبل وداعي، هل هناك من سيجعلكِ بأحضانه امرأة؟ أو أنثى لتستمتعي بذراعيه كمن يضم مولوده برحمة بلا شقاء؟ أو سيجعلكِ بحق الإخلاص وليفته؟ قد نرى وقد نقابل وقد نرحل من مدينة ونبقى بأخرى، وقد نرسو على ميناء فيه الخير أساس، أو الغدر هو المسيطر الظاهر بحبٍّ طاهر يجول بأرض المكان. وهل كل الأقنعة متشابهة؟ أم هناك من يستطيع محو معالمي على رجف شفاتكِ الطاهرة؟
ماذا عساني أقول وقد جفّ قلمي، وتباعدت وتبعثرت أحرف أسطري؟ ماذا عساني أقول وقد فرت الروح ولم يبقَ إلا الجسد، وقد أصبح خاويًا لا معنى له سوى الألم؟ وماذا أقول لوقتي لو طال ببعادكِ؟ وكيف أواجه قلمي لو كتب اسمكِ؟ وإلى متى أبتعد وفي بعدي قربي لكِ؟ فأنتِ بداية طريقي ونهايته أيضًا لقاؤكِ. وكيف أبقى بحياة انعدمت فيها كل حواسكِ؟ أعلم أنه أزف وقتي كعادتي، فلا أبدأ دربًا إلا وقد بدأ بنهايته. حبيبتي، وقد لا أقولها مرة ثانية، اجعلي أسطري القليلة في قلبكِ، فهي منفذي يوم موتي للقائكِ. واعلمي لو كان للحب معنى فهو أنتِ، وإن كان للصدق درب فهو طريقكِ. أودعكِ يا صغيرتي، أودعكِ ولم يبقَ لي سوى ذكرى قد تُحييني من جديد أو تقتلني في أخرى.
يا أغلى ما امتلكته وأغلى ما سأفارقه، اعلمي لو كنت كالسراب في دربكِ، فأنت سمائي الحانية، المرافقة لرحلة عذابي. واعلمي أن ألم القهر تراقص لي وتوقف على أسواري، واتخذته رفيقي الجديد وخليل وقتي الآتي.
يا روحًا سكنتني ولن تفارقني حتى مماتي، إني عشقتكِ يا امرأة، واعلمي أن فراقكِ قدر، وقد جاء دور الامتثال. وإني أصبحت وحيدًا بلا رؤية ابتسامتكِ المليئة بالحياة.
خليلتي، قد حانت اليوم رحلتي لأترك لكِ مجرد خيال شخص قد أحاطكِ بجناحيه يومًا في هذا الزمان. فلا تستهيني بحبي لكِ، فهو من سيرحم حالي وقت عذابي. وتذكّري إن اشتقتِ للمسة يديّ أو صدى صدري وأنفاسي، عودي لأوراقي وتذكّري معاناتي مع أحلامي. فاليوم أختم آخر أسطري بدموع نيراني لتحرق قلبي بفراقكِ يا عشيقتي.
أودّعكِ، وسيبقى بقلمي نبض ولاؤه لكِ، مخلصًا لحبكِ، متواجدًا في دنيا الحرمان، ولن يعود لكتابته مرة أخرى. حتى إن عدتُ أنا للحياة من جديد، سيبقى هو تذكرتي للعودة بزماني لعهدكِ وقوتكِ وجمال قلبكِ الحاني. وتذكّري ختام خاطرتي: عشقي لكِ أبدي، ويبقى هو مغفرتي ورحمة ربي بي في زماني يا مولاتي.